تعنى لفظة
منهج في اللغة ، الطريق الواضح ، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالي
( لكل جعلنا منكم شرعة
ومنهاجاً ) ( سورة المائدة آية 48) . كما ورد ذكرها في قول لابن عباس رضى الله
عنه: ( لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى ترككم على طريق ناهجة) .
واصل كلمة " منهج " المستخدمة
في الأدبيات التربوية ، هو ترجمة للمصطلح (Curriculum ) في اللغة الأنجلوساكسونية والمشتقة أصلا من كلمة (Currere) في اللغة اللاتينية ، وتعنى ، إلى حد ما ، مضمار ، أو ميدان ، ( مدرج إغريقي للألعاب الرياضية ) ،
وتعنى أيضاً سير أو سريان .. الخ.
ويعرف معجم أكسفورد كلمة ( منهج ) بأنه
مساق (Course) ، وخاصة مساق ستنهج أو مساق دراسي
(Course
of Study) منظم في المدرسة أو الجامعة . وقد سجل المعجم بداية استخدامه منذ
القرن السابع عشر ، وهو بذلك يشير ، كما يرى اشتنهاوس ، إلى بداية المحاولات المنظمة والواعية في هذا البلد
( بريطانيا ) لتنظيم المساقات الدراسية .
كما إن كلمة ( منهج
) قد استخدمت في القرنين السابع عشر والثامن عشر من وجهة نظر (كيلار )
(Keller,1991,S.59) باعتبارها خطة أو
قاعدة (kanon) لمحتوى التعليم .
ويظهر من خلال تعريف معجم أكسفورد للمنهج
باعتباره مساقاً دراسياً ، ارتباط مفهوم المنهج في تلك الحقبة الزمنية بتخطيط
المعلومات والحقائق والمفاهيم .. الخ ، والتي يتضمنها عادة المساق الدراسي . وهو
ما يستدل عليه من خلال تعريف نفس المعجم لكلمة (منظم) ، والتي تعنى إضافة إلى
أشياء أخرى ، أن يكون للمساق شكل ، وتنظيم وأن يخضع إلى قواعد أو مبادئ وان يتميز بالتناسق ، والترابط بين
عناصره المختلفة(Harmony
) وان يكون موسوماً بالفعل المستقر ، ومطابق لقاعدة أومعيار (Standard) مقبول .
وبهذا فإن المنهج
يعني تخطيط المساق الدراسي وفقاً لبنائه المنطقيLogic
of Discipline) ) . وأوضح (رولف
تايلور ( Tyler, W.R 1964/ p.96
) بأن سبب ذلك يعود إلى أن اكتساب المعرفة وتطوير المهارات هي الأهداف الأساسية
للمدرسة ، ولم تحظ متطلبات المجتمع والتلميذ بأهمية تذكر .
وهذا التصور لمفهوم
المنهج هو انعكاس طبيعي لشيوع نظرية الملكات العقلية في تلك الحقبة الزمنية وحتى
السنوات الأولى مــــن القرن الحالـــي . وترى هــذه النظرية ( نظرية
الملكات) إن عقل الإنسان يتألف من
مجموعة من الملكات ، كملكــــة التحليل ، والتفكير والتخيل . . وغيرها ، وأن
المادة الدراسية (Subject ) هي الوسيلة المناسبة لصقل هذه الملكات . وبسبب سيطرة هذه
النظرية وتأثيرها فقد شاعت أساليب التدريس المعتمدة على الحفظ والتذكر والتعليل
وصار للمختصين في العلوم نتيجة لذلك
الدور الأساسي في تحديد الأهداف .
وتغيرت الصورة ، كما
يرى تايلور في السنوات 1933 حتى
1945 ، حيث أعتمد في تحديد هداف التعليم على أساس دراسة متطلبات الأطفال والشباب
بالاستناد إلى الفلسفة التربوية حينها، وبالاستناد ، إلى حد ما على نتائج دراسات
علم النفس التربوي إلا إن متطلبات
المجتمع وآراء المختصين في العلوم قد أهملت هي الأخرى وبصورة أكبر من المرحلة التي
سبقتها .
ونتيجة
للتطورات الهائلة في العلوم والتكنولوجيا ، وما أحدثته من تأثير في مجالات الحياة
المختلفة وما طرأ من تجديد في أبحاث
علم النفس التربوي وغيرها ، كل ذلك
قـد ساعـد في ظهور نظرة جديدة حول وظيفة وأهداف المدرسة، فأصبح المتعلم هو وجهـة
النشاط التعليمي والتربوي وأصبحت متطلبات المتعلم والعلوم والمجتمع كما يرى رولف
تايلور المعايير الأساسية لبناء المنهج . وغـدت هـذه المعايير إضافة إلى الأهداف
والمحتوى والطرائق والتقويم هي العناصر البارزة للمنهج ( Macroscopic
)، (تابا 1971,ص334).
لقد مكنت هـذه النظرة الجديدة لتخطيط
المنهج كما أوضحت ذلك بشلار(Bechler,G.1976 S.59)
، وكذلك كيلارKeller,
1991 ,S. 59) ) وآخرون من تجاوز النظرة التقليدية لتخطيط المنهج باعتباره
تخطيطا لمحتوى التعليم بالاستناد إلى البناء المنطقي للعلوم . كما أمكن تحقيق ظروف
ملائمة توفرت من خلالها للمتعلم إمكانية حصوله على تأهيل عال يساعـده في التعامل
المستقبلي مع العلوم وتحليل وإنجاز مهام المهنة المستقبلية ، وكذا عالمه الخاص بـه ، وإلى جانب ذلك فإن هـذا المنهج يخلق
آفاقاً رحبـة لتحقيق التفاهم والتعاون بين ذوى العلاقـة بتطوير المنهج ( المعلمـين
وأرباب العمل والآباء وغـيرهم ).
وبالرغم من وضوح
العناصر الأساسية لتخطـيط المنهج ، الأهداف ، المحتوى ، الطرائق والتقويم وإجماع
كثير من المفكرين عليها باستثناء عنصر التقويم التي كان ولا يزال موضوع شـد وجـذب
بـين المؤيـدين للمنهج القائم على أساس النظريـة السلوكية وبـين معارضيـه فإنه لم
يتحـقق بعـد إجمـاع على مفهوم واضـح ومحدد للمنهج .
وعلى
سبيل المثال فقـد عرف جونسون ( Johnson, M. Jr. 1967, p.130
) المنهج بأنه سلسلة منظمـة
ومتعاقبة من نتائج التعلم. وعرفه روماين ( p
. 84 ,1954, Romine ) بأنه كل الخبرات التي يكتسبها التلميذ تحت إشراف وتوجيه
المدرسـة . أما نيجلي وايفان (Neagly
and Evan 1954,P.2) فقد عرفا المنهج بأنه
الخـبرات المخططة التي توفرها المدرسـة لتحقيق نتائج تعلم محددة . ويعرف إنلـو ( Inlow,G.M.
1966. p.7 ) المنهج بأنه المكونات
المخططة والتي تقدمها أي مدرسـة لقيادة تعلم التلاميذ من اجل تحقيق نتائج
تعلم محددة مسبقاً .
وعلى الرغم من أن الكثيرين قـد وصفوا مثل
هـذه التعريفات بأنها حديثة أو تقدميـة إلا أن إشتينهاوس برى " أن ذلك صحيحاً إلا أنها
لا تحدد بدقة ووضوح ما الذي ينبغي تخطيطه ،
هل المناهج تخطيط لمقاصد التعلم ( Intentions ) أم أنها تخطـيط للذي يحـدث فعلاً في المدرسـة
(Reality) أو ) Process ( .
وأضاف بوسـنر هل المنهج وثيقـة أو خطـة
تسـبق الدرس أم أنه خطـة الدرس ذاته؟ أو نه تقريراً وصفياً للدرس (posner,J,G.
1973 p.56
ولذلك
فقـد طالب اشتينهاوس بضرورة تطوير مفهوماً واضحاً و محـدداً للمنهج( الذي وان كان
لن يحل مشكلات المنهج إلا انه سيساعـد في إلقاء مزيد من الضوء عليها ) على أن
يأخـذ في الحسبان الجمع بين رؤيتي المنهج (
Views ) المقاصد من ناحية
والنشاطات التي تتم فعلاً في المدرسـة من ناحيـة أخرى . وهي ذات الفكرة التي عـبر
عنها مجلس التعليم في جمهورية ألمانيا الاتحادية عندما طالب بأن تعـبر المناهج عن
أهداف التعليم التي يريـد المجتمع تحقيقها وما هي الطرائق ( Wege ) المؤدية إليها (Steindorf,
1985,S.103) . .
وبنفـس المعنى يعرف رولكار ( Ruelcker
, T. 1976, p554 ) المناهج بأنها ليست خططا لمادة الدرس وإنما خططا منسقـة لعمليتي
التعليم والتعلم بالإستناد إلى الأهداف . ولذلك فإن المنهج أساس عقلاني للنتائج
وللعمليات المحققة لها .
ولا يختلف ( إينسـيدلار ( Einsiedler
, W , 1974 , p. 49 ) في تعريفه للمنهج عن
زمـيله رولكار حيث ينظر إلى المنهج باعتباره تخطيطا وتقويما شاملا لعمليتي التعليم
والتعلم مع مراعاة انسجام أهداف التعلم ومحتواه وطرائقـه وأساليب تقويمه مع
الأهداف العامة وظروف تعلم التلاميـذ.
وبصورة واسعـة وشاملة يعرف كلينجبيرج (Klingberg,
L. 1989,S.49) المنهـج بأنه :
·
وثيقـة
للسياسـة المدرسية . تترجم بوضوح المبادئ و المهام الأساسية للتعليم كما يحددها
الدسـتور وقانون التعليم .
· وثيقة علمية وتربوية
تتحـدد من خلالها ووفقاً لمتطلبات المجتمع ومعتقداته ومنطلقاته النظرية وعلى أسس
علمية الخصائص المختلفة لتطور شخصية المتعلم والتي تجـد ترجمة لها في أهداف ومحتوى
وطرائق التعليم .
·
وثيقة
أساسية وهامـة يمكن للمعلم بالاستناد إليها
تخطيط وتحضير الدروس .
· وثيقة رسمـية (
حكومية ) تضمـن الدولة من خلالها تحقيق مبادئ و مهام السياسـة المدرسـية وهي بذلك
ذات طابع إلزامي للعمل التدريسي للمعلم .
وبذلك فان كلينجبيرج ينظر
إلى المنهج باعتباره خطـة تدريسية لقيادة الدرس ، لقيادة عمليتي التعليم والتعلم .