المحتوى التعليمي

تعريف المحتوى:

يفهم المحتوى بأنه نظام واضح ودقيق من المعارف ، والقدرات والمهارات ، والقناعات والمواقف والسلوك ..الخ التي ينبغي على المتعلم اكتسابها في العملية التعليمية والتربوية.

وهو المضمون الذي يتم بواسطته تحقيق الأهداف التربوية. ويقصد بالمضمون المعارف ( الحقائق المفاهيم المبادئ القوانين النظريات - المبادئ.....) والمهارات والجانب التربوي (الوجداني) ( القيم ، المعتقدات والاتجاهات والميول...).

بنية المحتوى في التعليم:

يعد تخطيط المحتوى كوسيلة أساسية للتربية من أكثر المراحل صعوبة في تخطيط المنهج وذلك نتيجة لعدد من العوامل أهمها:

  1. التطورات المتسارعة في العلوم والتكنولوجيا والتي أفضت إلى تحول العلم إلى قوة إنتاجية كبيرة وتنامي دوره المؤثر في مختلف مجالات الحياة .
  2. ظهور علوم جديدة
  3. زيادة حجم وسرعة التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وما شهده عالم العمل والمهن من تحول كبير، تطورت نتيجة له مهن جديدة، وتغير محتوى مهن قائمة، فتعقدت نتيجة لذلك وتنوعت المتطلبات من التعليم.

على هذا الأساس يبرز لنا السؤال التالي : ماذا يتعلم التلاميذ في المدرسة، بحيث يحقق الأهداف التربوية ، ويواكب تعدد ميادين المعرفة، في ظل هذا الانفجار المعرفي الكبير الذي أفرزته الثورة العلمية والتكنولوجية؟ وبصورة أخرى كيف يمكننا تحديد بنية المحتوى في التعليم، بحيث يستوعب المعرفة الإنسانية المتراكمة، وبما يحقق الأهداف التربوية ويراعي معطيات وإمكانيات الواقع التربوي؟

لذلك فإن أولى المهام وأهمها التي تنصب أمام مخططي المناهج، قبل اختيار وتنظيم المحتوى تحديد البنية الأساسية لمحتوى المرحلة التعليمية (التعليم الأساسي مثلا)، بما يحقق تزويد التلاميذ بمعرفة علمية منظمة، وتحقيق النتاجات التربوية المتوقعة..

والمقصود بتحديد بنية المحتوى هنا، تحويل محتويات مجالات المعرفة المختلفة إلى محتوى تعليمي. أي كيف يمكن تحويل المعرفة الإنسانية المنظمة، المتراكمة عبر التاريخ ونجعلها في متناول التلاميذ من خلال المحتوى التعليمي. ماذا يحتاج التلاميذ من الرياضيات؟ من اللغة العربية؟ من التربية الإسلامية ؟ من الكيمياء؟ من الأحياء من الفيزياء ومن الإنجليزي الخ؟ وهل يتم تحديد محتوى تعليمي مستقل لكل علم على حده، أم يتم دمج محتواه مع محتوى علم أو علوم أخرى؟ وإذا أردنا تحديد محتوى تعليمي مستقل لكل علم ( الرياضيات مثلاً) فهل نختار كل فروع المعرفة التي يتضمنها هذا العلم؟ أم نختار جزء منها لكي نحولها إلى محتوى تعليمي؟ ما المعايير لذلك؟ وينطبق ذلك أيضاً، إذا ما أردنا دمج مجموعة من العلوم، وتحويلها إلى محتوى تعليمي واحد
(الفيزياء الأحياء الكيمياء مثلاً إلى محتوى واحد هو العلوم الطبيعية).

معروف بصورة واضحة وجلية إنه من غير الممكن لأسباب تربوية تعليمية ونفسية ومعرفية واقتصادية .. الخ ، اعتماد محتوى العلوم كاملاً، وتحويله إلى محتوى تعليمي، وإنما يتم ذلك من خلال اختيار وانتقاء المعرفة الضرورية لتحقيق الأهداف التربوية، وتراعي الظروف المؤثرة في العملية التربوية.

لذلك تبرز هنا أهمية التحديد الواضح والدقيق لبنية محتوى المجال المعرفي، لتكون بمثابة موجهات استراتيجية ينبغي أن تساعد في تحويل محتواه إلى محتوى تعليمي. ويمكن للعاملين الآتيين المساعدة في ذلك:

  1. التحديد الواضح والدقيق لموضوع ومحتوى العلم/ماذا يدرس هذا العلم؟
  2. تحديد الأولويات في محتوى العلم.

دعونا نوضح أولاً، ما المقصود بالعلم؟ ومما يتكون؟ وما المحددات الأساسية التي ينبغي مراعاتها من أجل تحويله إلى محتوى تعليمي؟

يعّرف العلم بأنه معارف (Knowledge) أو نظام من المعارف / يهتم بدراسة مجال محدد من مجالات الواقع الموضوعي، يتم الحصول عليها واختبارها بطرق علمية.

فالعلم هو إذن معارف علمية نظرية وتطبيقية عن الطبيعة والمجتمع والفكر التي يتكون منها العلم وفقاً لمنطقه الخاص به ، أي نظام من الحقائق والمفاهيم والقوانين والنظريات والمبادئ.. الخ، التي تشكل في مجملها البنية الداخلية الخاصة به، والتي تكسبه طابعة الخاص والمميز . لذلك يختلف كل علم عن الآخر وفقاً لميدان المعرفة العلمية التي يدرسها أو يعالجها، وبالتالي ما يحتويه من حقائق ومفاهيم ونظريات وقوانين..الخ .

وبما أن محتوى العلم يتكون من بنية معرفية مميزة له، فإن تلك البنية تفرض أيضاً وسائل وطرق التعامل مع منظومة المعارف المكونة له، وتحدد أيضاً طرق دراستها وتطويرها.

لذلك فإن تحويل محتوى العلم إلى محتوى تعليمي، ينبغي أن يأخذ في الحسبان شموله للبنية المعرفية لذلك العلم ككل. أي لا ينبغي الاهتمام بالمعارف فحسب، وإنما الاهتمام كذلك بأسلوب تنظيم وترتيب تلك المعارف، وكذا طرق البحث والتفكير وحل المشكلات وغيرها المرتبطة بطبيعة العلم .

على هذا النحو فإن للمحتوى العلمي بنيتين أساسيتين:

(1) : البنية المعرفية (المادية)

(2) : البنية الطرائقية

البنية المعرفية:

وللبنية المعرفية بعدين :

البعد الأول: المعارف : وتساعد في التعريف بالبنية المعرفية للعلم وبالتالي تخفف من المشكلات التي يمكن أن تظهر عندما نقوم بتحويل محتوى هذا العلم إلى محتوى تعليمي .

البعد الثاني: أسلوب تنظيم وترتيب المعارف : الالتزام بمنطقية العلم حتى يتعرف التلاميذ على أهمية هذا البناء من أجل اكتساب المعارف وفي أهمية العلم ذاته ويستوعبون على أساس ذلك حدوده وإمكانياته .

البنية التنظيمية الطرائقية:

ترتبط البنية التنظيمية إلى حد ما بالطريقة(Methodology) بما فيها طرق الاستقصاء والبرهنة أي معايير يمكن بالاستناد إليها الحكم على نوعية المعارف وترابطها الموضوعي .

على هذا الأساس فإن تحديد الموضوع الذي يدرسه العلم شرط ضروري لتحديد بنية محتواه، تتضح على أساسه حجم وعمق عناصر المحتوى وترتيبها وكذا علاقة هذا العلم بالعلوم الأخرى.

ولأنه من غير الممكن تعليم التلاميذ إلا الشيء اليسير من ما يحتويه أي علم كما أوضحنا ذلك سلفا، لذلك تبرز هنا أهمية تحديد الأولويات في محتوى هذا العلم التي ينبغي تحويلها إلى محتوى تعليمي. ولا يتعلق الأمر هنا باختيار مواضيع محددة أوحذف أخرى ، وإنما اختيار عناصر المحتوى التي تحقق المتطلبات المختلفة بما يتوافق مع الأهداف التربوية ، وبما يحقق أيضاً تجاوز أي فجوات يمكن أن تظهر في البناء المعرفي وتسلسله المنطقي.

ومن أجل التحديد الفاعل للأولويات في بنية العلم يتوجب مراعاة الآتي:

على أساس تحديد أولويات عناصر المحتوى لكل مجال معرفي يمكن اتخاذ القرارات فيما يتعلق بتحديد المجالات التي ينبغي أن يتكون منها محتوى التعليم.

فيمكن لمجال أو حقل معرفي أن يكّون بمفرده مجال أو حقل تعليمي (الرياضيات كمجال معرفي يمكن تحويل محتواه إلى مجال تعليمي واحد هو مجال الرياضيات)، ويمكن تحويله أيضاً إلى مجالين تعليميين أو أكثر
في التعليم الجامعي مثلا (رياضيات للمتخصص في الرياضيات ، رياضيات للمهندسين ،،،،، وهكذا.

كذلك يلاحظ من خلال تصنيف البحث التربوي لميدان المعرفة المنظمة، اختلاف وتنوع موقع بنية العلوم الطبيعية في التعليم العام على سبيل المثال. فينظر إليها البعض ككل متكامل، ويتم تخطيطها وتُدرس لذلك كمجال واحد، هو مجال العلوم الطبيعية ، بينما يرى البعض الآخر ضرورة تدريس كل منها بصورة مستقلة. فيتم تدريس الأحياء مثلاً في تكامل مع الكيمياء والفيزياء وغيرها من العلوم الطبيعية ضمن ما يعرف بمجال أو حقل العلوم الطبيعية ، وبخاصة في الصفوف الدنيا من التعليم الأساسي ، ثم يتم تصنيفها في مجالات مستقلة في الصفوف العليا منه وفي التعليم الثانوي . وكذلك الحال بالنسبة للعلوم الاجتماعية وغيرها.

معايير اختيار المحتوى وتنظيمه:

ويعد تخطيط المحتوى من أكثر المراحل صعوبة في تخطيط المنهج، وذلك لعدم وجود معايير محددة متفق عليها يمكن الاستناد إليها في اختياره وتنظيمه.

وتتعلق المسالة هنا بتطوير معايير توضح ما المحتوى ذو القيمة والأهمية الذي ينبغي اختياره كمحتوى تعليمي وسط هذا الزخم من المعارف، وما المحتوى الممكن اختياره بحيث يراعى المتطلبات الاجتماعية والعلمية ووفقاً للزمن المتاح للتعليم، وكذا إمكانية اكتسابه من التلاميذ.

ويعرف البحث التربوي محاولات مختلفة لتطوير معايير لاختيار وتنظيم المحتوى حقق بعضها اتفاقاً عاماً حولها في حين لا تزال معايير أخرى موضع بحث ونقاش.

ولذلك فإن أولى المهام المنتصبة أمام مخططي المحتوى هي مهمة تحقيق وفاق حول المعايير التي سيستندون إليها في اختياره وتنظيمه.

معايير اختيار المحتوى:

هناك محاولات مختلفة لتطوير معايير لاختيار وتنظيم المحتوى. فقد تحدثت (تابا) عن معيارين أساسيين لاختيار المحتوى هما: الصدق والدلالة. وقد أضاف هويلار إلى هذين المعيارين ، معايير ثانوية على النحو الآتي:

وباستثناء معيار إمكانية التعلم ، فإن المعايير الثانوية الأخرى تجد تعبيراً لها بصورة أو بأخرى في معياري الصدق والأهمية. لذلك ستتم بصورة أساسية معالجة المعايير التالية لاختيار المحتوى وهي:

1. صدق المحتوى 2. أهمية المحتوى 3. قابلية المحتوى للتعلم

(1) صدق المحتوى:

يقصد بصدق المحتوى الآتي:

أ. ارتباط اختيار المحتوى بالأهداف

ب. حداثة المحتوى

 

(أ) ارتباط المحتوى بالأهداف:

من المشكلات الكثيرة المصاحبة لتخطيط المحتوى ، الغلو المفرط أحياناً في الجانب الكمي لعناصر المحتوى ، على حساب النوع ، من بعض المشاركين في تطويره، والذين يتكون جلهم في العادة من المختصين في المادة العلمية ، لأسباب تتعلق أحياناً بعدم الوضوح الكافي للأهداف ، وأحياناً أخرى بسبب بعدهم وعدم ارتباطهم المباشر بالعملية التربوية والتعليمية في المدرسة،أو لاستنادهم إلى البنية المنطقية للعلم المعني ، كمعيار مطلق في اختيار وتنظيم المحتوى . لذلك فإن من المهام الأساسية في مرحلة تخطيط المحتوى هي محاولة التأكد من أن المحتوى الذي تم اختياره ملائم للأهداف ويسعى إلى تحقيقها من دون الإخلال بالبنية المنطقية لمحتوى العلم. ويعني ذلك إن اختيار المحتوى ينبغي أن يتم على قاعدة ما المكونات الرئيسة التي ينبغي تضمينها المحتوى التعليمي وليس ما المكونات التي يمكن حذفها، أي اختيار عناصر المحتوى الهامة وذات مغزى ودلالة لتحقيق أهداف المنهج كاملة ، فليس الكم من المعارف هو المطلوب وإنما صلاحيتها في تحقيق الأهداف التربوية والتعليمية بما يساعد في تطوير شخصية التلميذ من جميع الجوانب .

ومن أجل تحقيق ذلك فإن مهمة تطوير محتوى المنهج لا ينبغي أن تقتصر على المختصين في المادة العلمية فحسب وإنما ينبغي أن يشاركهم في ذلك عدد آخر من الخبراء في التربية وعلم النفس التربوي ومن المختصين في المناهج وطرائق التدريس.

( ب ) حداثة المحتوى:

من مهام مطوري محتوى المنهج التأكد من الصلاحية العلمية للمحتوى التعليمي الذي تم اختياره، والى أي مدى ينسجم مع التطورات الحديثة للعلوم وخاصة العلم أو العلوم التي يتكون منها المحتوى. فالمحتوى الذي يتم اختياره ينبغي أن يكون صحيحاً من الناحية العلمية ، وصادقاً ، أي ليس خاطئا ولا مضللاً ، خاصة ونحن نعيش عصر الثورة العلمية والتكنولوجية ، العصر المتميز بالتفجر المعرفي واكتشاف وتطوير حقائق جديدة ، نظريات جديدة ، أو تصحيح حقائق أو مفاهيم أو نظريات قائمة. فالحقيقة العلمية نسبية وبالتالي ينبغي أن يخضع المحتوى التعليمي للمراجعة المستمرة لتصحيح ما يظهر أنه خاطئ وغير صحيح.

فعلى سبيل المثال لا الحصر ، فقد تغيرت الحقائق العلمية عن البناء الضوئي في النبات مرات عديدة :

  1. عام 1648 يعتمد نمو النبات على الماء والهواء
  2. عام 1699 يعتمد نمو النبات على الماء والهواء ومواد أخرى من التربة
  3. عام 1727 بدأ الاهتمام بدور الضوء
  4. عام 1905 توصل بلاك مان إلى أن عملية البناء الضوئي عبارة عن تفاعلين : كيميائي ضوئي وكيميائي حيوي

(2) : الأهمية:

يرتبط معيار الأهمية، بصورة كبيرة بمعيار الصدق، ومن الصعوبة وضع حدود فاصلة كبيرة بينهما.

فارتباط اختيار المحتوى بالأهداف على سبيل المثال، لا يعبر عن صدق المحتوى فحسب، وإنما يعبر أيضاً عن أهميته. ويعني ذلك إن تحديد الأهداف في المنهج ليست عملية خطية، نقوم أولا بتحديد الأهداف، ثم نختار المحتوى في ضوئها. فمعيار الأهمية هذا يؤكد على ضرورة مراعاة علاقة التأثير المتبادل بين الأهداف والمحتوى، والتعامل معها باعتبارها عملية واحدة. فمن غير الممكن تحديد الأهداف إذا لا يوجد محتوى يحققها ، ومن غير الممكن تحديد الأهداف بمعزل عن المحتوى و إلا كيف يمكن تحديد عناصر المحتوى الهامة والأساسية للعلم المعني وتكون ذات أهمية ومغزى للتلاميذ إذا لم يتم مراعاة المحتوى لدى تخطيط الأهداف

لذلك فإن معيار الأهمية يعني إلى أي مدى تم بالاستعانة بالأهداف، اختيار عناصر المحتوى الهامة والضرورية بالنسبة لمجال معرفي محدد ، التي ينبغي على المتعلم اكتسابها، وتحقق تكوين صورة واضحة لديه حول طبيعة هذا العلم. أي إن أهمية المحتوى تعني اختيار العناصر الأساسية ( حقائق مفاهيم قوانين نظريات مبادئ الخ التي تشكل العمود الفقري للعلم وتساعد التلميذ في توسيع وتطوير معارفه فيه، وأن يعي التلميذ طبيعة ذلك العلم . وينبغي أن تحقق عناصر المحتوى التي تم اختيارها ، التكامل مع محتوى العلوم الأخرى، وتعززها وتساعد في استمرار عملية التعلم لدى التلاميذ وهكذا.

ويكون المحتوى هاما أيضاً إذا ساعد في تحقيق التوازن بين الجوانب النظرية وتطبيقاتها، وإذا ما كان منسجما مع متطلبات المجتمع ويعكس أهدافه التربوية، ويراعي رغبات وميول التلاميذ، ويرتبط ببيئتهم وبخبراتهم ، ويجيب عن أسئلتهم ويحقق لهم فرص متكافئة للتطور.

وباختصار يكون المحتوى مهماً إذا ساعد في تحقيق الآتي:

(3) قابلية المحتوى للتعلم:

من الأمور الهامة والأساسية التي ينبغي مراعاتها لدى اختيار المحتوى معرفة مدى ملاءمته لمستوى التطور النفسي والبدني والعقلي للتلاميذ وإن باستطاعتهم اكتسابه. أي ألا يكون المحتوى التعليمي من الصعوبة بمكان بحيث لا يستطيع التلاميذ أو جزءً منهم تعلمه. فينبغي أن يدرك مخططي المحتوى بأن من شروط حدوث التعلم أن يكون المتعلم مستعداً له بدنياً وعقلياً ونفسياً.

كما ينبغي أن يراعى في اختيار المحتوى ، مستوى تأهيل المعلمين والإدارة المدرسية ، وأن يتم الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الإمكانيات المادية والفنية للمدرسة وكذا الظروف المؤثرة في العملية التعليمية والتربوية.

وهناك مسألة أخرى تتعلق بقابلية المحتوى للتعلم وهي مراعاة الزمن المتاح للدراسة ككل، وكذا الزمن المتاح للمواد التعليمية المختلفة. فإذا كانت عناصر المحتوى التعليمي لا تتناسب والزمن المتاح ، فإنه سيغلب الكم على حساب النوع ، وسيتجه اهتمام المعلمين وحرصهم على إكمال تلك المحتويات في الزمن المحدد ، دون مراعاة اكتساب التلاميذ لتلك المحتويات ، وحدوث التعلم لديهم ، وهو ما سيؤثر سلباً في تحقيق الأهداف التربوية المتوخاة من تعلم تلك المواد التعليمية. فلا يكفي تعليم التلاميذ تلك المواد، وإنما المهم هو، هل يتعلم التلاميذ شيئاً منها ؟.

وباختصار فإن قابلية المحتوى للتعلم تعني بصورة عامة ، إلى أي مدى يراعي اختيار المحتوى الآتي :

تنظيم المحتوى:

بعد تحديد واختيار المحتوى لمرحلة تعليمية محددة ، تبدأ مرحلة جديدة من مراحل تطوير المنهج ، ألا وهي مرحلة تنظيم محتوى وزمن تدريس المجالات والمساقات التعليمية تنظيما معيناً ، بما يكفل تحقيق الأهداف ، وبما يؤدي إلى سهولة التعلم وسرعته وتدرجه ونموه وتكامله واستمرار آثاره لدى المتعلم.

معايير تنظيم المحتوى:

كما هو الحال بالنسبة لاختيار المحتوى، لا توجد معايير محددة متفق عليها فيما يتعلق بتنظيمه. لكن يمكن للمعايير التالية أن تسهم في تحقيق تنظيم جيد للمحتوى.

(1) العلمية:

يتعلق تنظيم المحتوى كما أسلفنا، بترتيب وتنظيم تدريس مجالات المعرفة التي تم تضمينها محتوى التعليم ، وكذا التنظيم الداخلي لمحتوى كل مجال تعليمي ، ومساقاته ومواضيعه. ما الذي يُدرّس أولاً وثانيا وثالثا ... ما الذي يدرس في الفصل الأول، الثاني ، الثالث .. الخ.

يمكن القول بان هناك الكثير من المعايير التي تتحكم في ذلك ، التي من أهمها مراعاة منطق العلم. والمقصود هنا بمنطق العلم، أن كل علم عبارة عن نظام من المعرفة ، أي نظام من الحقائق والمفاهيم والتعميمات (القوانين والمبادئ والقواعد) والنظريات .. الخ والتي تشكل في مجملها البنية الداخلية الخاصة به والتي تكسبه طابعة الخاص والمميز. وبما أن محتوى العلم يتكون من بنية معرفية مميزة له ، فإن تلك البنية تفرض أيضاً وسائل وطرق التعامل مع منظومة المعلومات المكونة له ، وتحدد أيضاً طرق دراستها وتطويرها . فلا يستطيع التلميذ على سبيل المثال لا الحصر، تعلم القسمة في الرياضيات قبل الجمع والطرح ، ولا تعلم تكافؤ العناصر في الكيمياء قبل أن يتعلم البناء الذري للعناصر، ويرتبط تعليم الصلاة بتعلم التلميذ الوضوء والتيمم ، وهكذا.

من هذا المنطلق فإن البنية المنطقية للعلم تساعدنا في توضيح العلاقات القائمة بين مكونات محتوى العلم المعني، وكذا علاقاته بالعلوم الأخرى، بما يساعد في تحديد التعاقب والتسلسل المنطقي للمساقات ، والمواضيع التعليمية ، وتوزيعها على السنوات و الفصول الدراسية للمرحلة التعليمية.

وبصورة خاصة يساعد معيار العلمية مطوري المناهج في الآتي:

(3) الشمولية:

ويلعب البناء المنطقي للعلم دوراً أساسياً ومهما في تنظيم المحتوى التعليمي كما أشرنا سلفاً، إلا إن الاعتراف بهذا الدور المهم للبناء المنطقي للعلم ، لا يعني اعتماده كمعيار مطلق، وبالتالي توجيه الاهتمام إلى تنظيم المعارف، وإهمال التنظيم الجيد لتطوير المهارات، والجانب التربوي، بما يحقق النمو المتكامل لشخصية التلميذ. لذلك فإن معيار الشمولية، يعني أيضا ارتباط تنظيم المحتوى بالأهداف التربوية ومن أجل تحقيقها، بما يحقق تطوير شخصية التلميذ من كافة الجوانب، وعدم اقتصارها على المجال المعرفي فحسب.

ويتطلب ذلك من مخططي المحتوى، مراعاة أن يساهم تنظيم المحتوى في التطوير التدريجي لطرق اكتساب المعرفة، وتطوير طرائق التفكير والعمل العلمي لدى التلاميذ، بما يحقق تطوير قدراتهم على تطبيق معارفهم المكتسبة ومساعدتهم في مواصلة تطوير أنفسهم بصورة ذاتية ومستقلة.

وإضافة إلى التطوير المنظم لطرائق التفكير والعمل العلمي لدى التلاميذ ، ينبغي أن يراعي تنظيم المحتوى أيضاً ، التطوير التدريجي لقناعات ومواقف وقيم وأخلاقيات وسلوك التلاميذ . وبذلك فإن تنظيم المحتوى ينبغي أن يراعي المكونات الرئيسة الثلاثة للأهداف التربوية ، وهي المجال المعرفي المجال التربوي (أو الوجداني) والمجال النفس حركي

 

(2) التنظيم الأفقي والرأسي :

أ. التنظيم الرأسي:

نقصد بالتنظيم الرأسي إيجاد علاقة رأسية بين عناصر ومواضيع المحتوى التعليمي في إطار مادة تعليمية محددة، بحيث تكون مترابطة ومتعاقبة، ويفيد تعلم أولها في تعلم ما بعده من ناحية، وبما يحقق هذا التنظيم استمرار ما يتم تعلمه من ناحية أخرى. أي تنظيم المعارف بصورة توضح العلاقة القائمة بين حقائق ومفاهيم وتعميمات ونظريات المادة التعليمية في مستوى دراسي معين ونظيرتها في نفس المادة في مستوى دراسي أعلى. فالتعلم لا يحدث إلا على أساس خبرات ومعارف سابقة، ولا تصلح المعارف الجديدة المطلقة لأن تكون موضوعًا للتعلم ما لم يتم تخطيطها وتنظيمها، بحيث تصبح كل معرفة أساس وخلفية لمعرفة تليها. فالتعلم لا يعني حشو أذهان التلاميذ بالكم من المعارف، وإنما عملية لتفاعل التلاميذ النشط معها كشرط لاكتسابها، وهو ما يتطلب وجود أساس لديهم لإدراك علاقاتها وروابطها بما سبق وتعلموه، وبما يمكنهم من إعادة تنظيم تصوراتهم حولها وإدراك موقعها في إطار الحقل المعرفي للعلم المعني، وفي إطار معارفهم في ذلك الحقل.

فمن أجل أن يتعلم التلميذ مفهوم ما، أو نظرية ما في الرياضيات أو العلوم مثلاً فإنه من الضروري لأسباب نفسية تربوية تعلم هذا المفهوم أو النظرية المرة تلو الأخرى ولكن بتوسع وتعمق أكبر في كل مرة. فتعلم الرياضيات على سبيل المثال عملية متصلة، لا يمكن للتلاميذ تعلم نظرياتها الجديدة بمعزل عن ما تعلمه سابقاً في الرياضيات. وبالتالي فإنه لا ينبغي فهم التعلم كعمل أو فعل فريد أو حدث عابر، انه في العادة أحداث متتالية، تعاقب للأفعال و الأنشطة، والتي تـتم في مراحل أو بخـطوات متنوعة. فالتلميذ لا يمكنه اكتساب مفهوم ما من الوهلة الأولى أوعن طريق جرعة، وإنما ينبغي عليه القيام بسلسلة من الأفعال والنشاطات ليتمكن من خلالها اكتساب المعارف وتطوير قدراته ومهاراته على الاستفادة منها، وتطبيقها، وهو ما يضفي على التعلم طابع العملية، أو الاستمرارية. فشرح المعلم مثلاً لا يستقر في ذهن التلاميذ ما لم يقم بتكراره، والتلميذ لا يمكنه استيعاب موضوع ما بقراءاته لمرة واحدة، ولا يحتفظ الإنسان بمعارفه ما لم يجددها ويطورها باستمرار، وتتخلف معارفه ويتبلد فكره إذا ما توقف عن التعلم الخ. لذلك ينبغي أن يخدم التنظيم الرأسي أيضاً تثبيت، وزيادة وتعميق ما يتعلمه التلميذ، بما يؤدي إلى تراكم المعرفة لديه بحيث يعزز بعضها الآخر وتحدث أثراً تجميعياً يؤدي إلى تراكم خبرته.

 

ب. التنظيم الأفقي:

أوضحنا بأن التنظيم الرأسي يُعنى بتنظيم عناصر المحتوى للمادة التعليمية في مستوى دراسي معين ونظيرتها في نفس المادة في مستوى دراسي أعلى. أما التنظيم الأفقي فيعني إيجاد علاقة بين عناصر المحتوى للمواد التعليمية كافة، بما يحقق التكامل بين هذه المواد التعليمية، وعدم معالجة مواضيع كل منها بمعزل عن علاقاتها بالمواضيع ذات العلاقة في المواد التعليمية الأخرى.

من ناحية أخرى فإن تكامل المعرفة وتوحيدها وتجميعها ، يتطلب وجود مركز أو محور، يتمركز حولها المحتوى والخبرات التعلمية، أكان ذلك فيما يتعلق بعناصر محتوى مادة تعليمية بعينها، (التنظيم الرأسي، مفهوم الطاقة أو التكاثر في العلوم)، أو فيما يتعلق بعناصر المحتوى في المواد أو المساقات التعليمية ذات العلاقة (التنظيم الأفقي، يمكن تناول مفهوم البيئة ومشكلاتها في الكيمياء والأحياء والجغرافيا واللغة العربية وغيرها من المواد التعليمية).

(4) الإمكانية التربوية لاكتسابه ( قابليته للتعلم)

كثير من المشكلات المصاحبة لتطوير المناهج في الماضي، وبصورة خاصة ما يتعلق منها باختيار وتنظيم المحتوى، هي استحواذ المختصين في العلوم المختلفة، على صلاحيات واسعة لدى اختيار وتنظيم المحتوى التعليمي للمادة التعليمية، وإهمال أو إغفال دور التربويين وعلماء النفس التربوي والمختصين في المناهج وطرائق التدريس، للمساهمة في هذه العملية. وتكون النتيجة الاهتمام بالبناء المنطقي للعلوم على حساب البناء السيكولوجي، مما يؤدي إلى ظهور صعوبات تعلم جمة لديهم، تؤثر بصورة أو بأخرى في عملية الاستيعاب لديهم.

إن المحتوى الذي نتحدث عنه هو المحتوى التعليمي الذي ينبغي اختياره على أسس نفسية، تربوية، تعليمية، معرفية إضافة إلى الأسس المنطقية للعلم المعني ذاته.

لذلك ينبغي مراعاة هذه الأسس لدى تنظيم المحتوى وخلق توازن بين الجانب المنطقي والجانب السيكولوجي للتعلم ، من خلال تدرج الصعوبة ومستوى التجريد وألا تعطى لهم معارف جديدة قبل اكتسابهم لأساسها. فنقوم بتنظيم المحتوى بحيث يساعد التلاميذ على التعلم المستمر ويساهم في تطوير رغباتهم واستعداداتهم ودوافعهم للتعلم.

إضافة إلى ذلك يكون محتوى التعلم قابلاً للتعلم إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار المبادئ التدريسية الأساسية ، كوحدة التعليم والتربية ، وحدة النظرية والتطبيق الفهم والوضوح وكذا مبدأ الوحدة والتباين أو مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ وغيرها.إضافة إلى ذلك ينبغي مراعاة القواعد التدريسية التي تلعب هي الأخرى دوراً هاماً ومؤثراً في عملية الاستيعاب مثل : التدرج من السهل إلى الصعب ، من البسيط إلى المركب (أو المعقد)، من المحسوس إلى المجرد، من المعروف إلى غير المعروف وغيرها.

كما ينبغي أيضاً تنظيم المحتوى بما ينسجم وقانون تطور شخصية التلاميذ ومراعاة كثرة وتنوع النشاطات الصفية واللاصفية التي يقومون بها، والحرص على ألا يشكل الأسلوب الذي يتم به تنظيم المحتوى عبئاً إضافياً على التلاميذ أو الإضرار بصحتهم أو يؤدي إلى صعوبات تعلم لديهم.

وباختصار تعني قابلية المحتوى للتعلم الآتي: