أهداف تدريس العلوم:

اختلف التربويون حول ماذا يتعلم الطلبة في العلوم . فمنهم من اهتم بتزويد الطلبة بالمعرفة العلمية  أي التركيز على المعلومات التي ينبغي تقديمها للطلبة ، في حين أن تيارات تربوية أخرى اهتمت بتطوير طرق وعمليات العلم وتعاملت مع المحتوى باعتباره وسيلة لتطويرها في الطلبة.

ووفقاً لمدخل المضمون فإن تخطيط مناهج العلوم يعتمد أساساً على تخطيط المعلومات بالاستناد إلى البنية المنطقية للعلم. وهذا التصور لبنية مناهج العلوم في المدرسة ناتج عن شيوع نظرية الملكات العقلية لفترة طويلة من الزمن. وترى هذه النظرية أن عقل الإنسان يتألف من مجموعة من الملكات العقلية وان المادة التعليمية هي الوسيلة المناسبة لصقلها ، ولذلك حظيت المادة العلمية بجل الاهتمام ، حيث تم الاهتمام بالجانب المتعلق بالمعلومات العلمية وأهملت أساليب وطرائق تنظيمها كما أهملت أيضاً طرائق البحث والتفكير العلمي لدى اختيار وتنظيم المحتوى التعليمي وكذا معالجته. فأصبحت لذلك المعلومات هي الغاية بحد ذاتها وأهمل تطوير الطلبة من جميع الجوانب. وقد تأثر بذلك الوعي التربوي لكثير من التربويين وساد لدى المعلمين تصورات مشوهة عن جوهر ومضمون العملية التعليمية والتربوية . فتأثرت سلباً تبعاً لذلك استخدامات طرائق التدريس وأساليب التقويم والعلاقة بين المعلمين والمتعلمين وغيرها . 

وتعرض هـذا المفهوم للمنهج  باعتباره تخطيطًا للمادة التعليمية على أساس بنائها المعرفي من جديد لكثير من الانتقادات من منطلق أن المعلومات أصبحت غاية في حـد ذاتها ، واصبح كل من المعلم والطالب في خـدمة المعلومات بعد أن كان المفروض أن تكون المعلومات في خـدمة الطالب . لقد انقلبت الآيـة ، أصبحت الوسائل غايات والغايات وسائل . وعُرف هذا النوع من المناهج الذي يركز على المضمون بالمنهج التقليدي .

ونتيجة للتراكم الكمي الكبير والمتسارع للمعلومات وعدم قدرة المدرسة على مواكبته كان لا بد على البحث التربوي السعي من أجل إيجاد المخارج والحلول لذلك. وفي ارتباط وثيق بنظريات التعلم التي تؤكد بأن التعلم الحقيقي لا يمكن أن يحدث من دون النشاط الفاعل للمتعلم أعاد البحث التربوي التأكيد على الأفكار القديمة التي تؤكد على أن التربية لا يمكن أن تتحقق من خلال النقل الميكانيكي للمعلومات إلى الطلبة وإنما باستثارة وتطوير ميولهم ورغباتهم للتقصي والاكتشاف وحل المشكلات والد فع  بهم لتطوير الأساليب المستقلة لإشباع الفضول العلمي.

وعلى الرغم من أن تطوير أساليب التعلم الذاتي والتعلم العلمي المستقل ليست بالفكرة الجديدة إذ حظيت باهتمام التربويين منذ القدم  إلا أن التطورات الكمية والنوعية للمعرفة الإنسانية في عصرنا الراهن قد أعادت لها الاعتبار من جديد وأصبحت تستحوذ جل الاهتمام وتحتل الصدارة في مناقشات البحث التربوي ، وأصبح امتلاك الإنسان لمثل هذه الطرق شرطاً ضرورياً للإلمام بما يجري حوله ومواكبته وتحقيق تعلمه المستمر .

وعندما يتعلق الأمر بتعليم وتعلم العلوم الطبيعية والرياضيات فإنه يكون لمثل هذه الطرق بريق ولمعان مميز ، باعتبارها من أكثر العلوم تأثيراً وتأثراً بتطورات الثورة العلمية التكنولوجية من ناحية  وباعتبارها متطلب ضروري تفرضه طبيعة البنية المعرفية لهذه العلوم من ناحية أخرى .

ويقصد بعمليات العلم ((كيف يعمل ويفكر ويدرس العالم (الباحث) المشكلات ، وبكلمات أخرى إنها طريقة الدراسة والبحث) . وتعني العمليات أيضاً " المهارات العقلية والاتجاهات اللازمة لاكتشاف الأشياء أو التصدي للمشكلات بطريقة علمية " .

وتستند فلسفة المناصرين لمدخل العمليات إلى أبعاد معرفية أيضاً. فهم يرون أن الانتشار الكبير للمعرفة الإنسانية يجعل مهمة المدرسة في مواكبته أمراً صعباً بل ومستحيلاً ، لذلك فإن المخرج ينبغي أن يتم من خلال إعداد الطلبة وتزويدهم بطرق وعمليات العلم بما يمكنهم من البحث عن المعرفة واكتسابها بصورة ذاتية ومستقلة

لذلك فهم لا يهتمون بتزويد الطلبة بنظام متكامل مع المعارف ، ويكفي من وجهة نظرهم اختيار مجموعة منها بما يسهم في تطوير طرق وعمليات العلم لديهم . كما أن هذا الكم المحدود الذي ينبغي أن تقدمه المدرسة لللطلبة ينبغي أن يتم اختياره وفقاً للبيئة التي يعيش فيها الطالب وبصورة وظيفية وليس بالضرورة تزويده بمعارف علمية واسعة ومتينة في مختلف مجالات الحياة ، كما أن اختيار هذه المعارف ليس بالضرورة أن يتم بصورة منظمة ومخططة بل يترك ذلك للمعلم وخصوصية الواقع الذي يعيش فيه الطلبة . لذلك فإنهم لا يفتتون المعرفة الإنسانية التي تقدم لللطلبة فحسب ، بل أنهم يقترحون تقديمها بصورة غير منظمة ، ودون مراعاة لمنطق العلوم ، أي أن تقديمها لهم يتم بصورة لا تساعدهم على تنظيم تتابع خبرات التعلم . وإذا كنا نقدم المعرفة بصورة غير مخططة وغير منظمة لللطلبة فهل نتوقع النجاح في تنمية طرق التعلم والعمل العلمي بصورة مخططة ومنظمة لديهم ، وهل يمكن للأطفال والطلبة على سبيل المثال أن يكتسبوا بأساليب الاكتشاف مفاهيم نافعة تقودهم إلى تعميمات ذات معنى .

ولا يختلف اثنان حول أهمية تنمية طرق التعلم والعمل العلمي لدى الطلبة ، إلا أن التركيز عليها وجعلها محور الاهتمام وإهمال أو التقليل من مكانة المحتوى التعليمي في العملية التعليمية والتربوية هو الذي لا يلق قبولاً واسعاً في الوسط التربوي في عصرنا الراهن ، عصر الثورة العلمية التكنولوجية والانفجار المعرفي الهائل .

لذلك وعلى الرغم من الأموال الكبيرة التي تم رصدها لتطوير هذه البرامج في بعض البلدان إلا أن معظم التربويين يرون بأن نتائجها كانت مخيبة للآمال . فالطموحات البراقة المتوقعة من البرامج الجديدة لم تتحقق إلا في حدودها الدنيا .

وعلى أية حال فإن الاتجاهات التربوية الحالية تؤكد على ضرورة الجمع بين مدخل المحتوى ومدخل العمليات وعدم الفصل بينهما ، فمن شأن ذلك أن يساعد في تزويد الطلبة بالأسس العامة للعلوم في مختلف المجالات وفقاً لمستوى التطور الاجتماعي والمستوى الذي بلغه تطور العلوم الطبيعية وربط ذلك بتطوير قدراتهم ومهاراتهم لاستخدام طرق وعمليات العلم .

إن نظرية المعرفة وبنية وطبيعة العلم تتطلب الاعتراف بأهمية المحتوى والعمليات والاتجاهات جميعاً ، ((وحتى الذين ينادون بأن ما ندرسه من المضمون لا يهم)) يتعين عليهم أن يوافقوا على إن المضمون هو الأداة لتحقيق أهداف العمليات والاتجاهات) .

ومن هذا المنطلق واستجابة لمتطلبات القرن الواحد والعشرين تطورت أهداف تدريس العلوم في مدارس التعليم العام بحيث تعبر عن مجموعة من المكونات تم اختزالها في مصطلح واحد يعرف ((بالثقافة العلمية)). فما هو المقصود بالثقافة العلمية؟ أو من هو المواطن المثقف علمياً؟

الثقافة العلمية:

تهدف التربية العلمية تطوير الثقافة العلمية للطلبة من خلال تحقيق الأهداف الآتية:

1.     تلبية الاحتياجات الشخصية للمتعلمين من خلال إعدادهم لاستخدام العلوم من اجل تحسين حياتهم الخاصة وللتعاطي مع المتطلبات المتنامية لعالم تكنولوجي.

2.     إعداد فرد متعلم ومستعد للتعامل بمسؤولية مع قضايا مجتمعة ذات العلاقة بالعلوم والتكنولوجيا

3.     تطوير وعي الطلبة بالأنواع المختلفة من المهن ذات العلاقة بالعلوم والتكنولوجيا وتوجيه رغباتهم واتجاهاتهم نحوها.

4.     تزويد الطالب بالأسس العلمية الضرورية لمواصلة دراسته اللاحقة.

وفي ضوء هذه الأهداف فإن المواطن المثقف علميا هو ذلك الشخص الذي يتميز بالخصائص الآتية:

1.    فهم طبيعة العلم والمعرفة العلمية

2.    لديه معارف عن المفاهيم الأساسية والمبادئ والقوانين والنظريات العلمية ويكون قادرا على تطبيقها بطرق مناسبة في تفاعلها مع المجتمع والبيئة

3.    يستخدم عمليات العلم في حل المشكلات وإصدار الأحكام .

4.    يدرك التفاعل الوثيق للعلوم والتكنولوجيا وتفاعلها بالمجتمع والبيئة

5.    يمتلك المهارات العلمية التي تمكنه من تأدية مهامه المهنية والعملية وغيرها

6.    تطوير نظرة موحدة للتكنولوجيا والمجتمع والبيئة كنتيجة لتعلم العلوم ومواصلة توسيع رغباته وميوله عنها مدى الحياة.

وبذلك فإن أهداف التربية العلمية وفقا لخصائص المواطن المثقف علميا يمكن تلخيصها في خمس مكونات أساسية على النحو الآتي:

(1) المعرفة العلمية (2) استخدام الطرائق العلمية(3) الارتباط بالقضايا المجتمعية (4) تلبية الحاجات الشخصية و (5) التوجيه المهني

تسعى العلوم الطبيعية إلى تحقيق الأهداف الآتية:

1.    تنمية المعارف العلمية :

تزويد الطلبة بمعارف علمية واسعة ومتينة في العلوم الطبيعية بصورة مخططة ومنظمة وعلى أسس علمية ووفقاً لمستوى التطور العلمي الذي بلغته كافة فروعه العلمية وفي ارتباط وثيق بمتطلبات المجتمع الحالية والمستقبلية وبما يحقق ربط الطلبة ببيئتهم والإجابة عن تساؤلاتهم حول الظواهر الطبيعية والكون والمجتمع ومغزى حياتهم فيه.

 

2.    تطوير طرق وعمليات العلم

يلاحظ من خلال استخدام الأساليب التقليدية في التدريس اعتماد الطلبة في التعلم على الحفظ مما ساعد في تدني مهارات التفكير والعمل العلمي لديهم .

ولتجاوز هذه السلبية ينبغي أن يساعد تدريس العلوم في تطوير قدرات الاستقصاء العلمي وتطوير طرق وأساليب التفكير والعمل العلمي لدى الطلبة وتنمية قدراتهم على التفكير النقدي واستخدام الملاحظة والمعرفة لتكوين تفسيرات علمية. وتبرز في هذا الصدد أهمية الاستخدام المستمر لطرائق التدريس المساعدة في تحقيق مثل هذه الخصائص ، مثل طرائق العرض ، الاستقصاء والاكتشاف وحل المشكلات.. الخ. وتطبيق المعلم لمثل هذه الطرائق بصورة منتظمة ومستمرة وغير منقطعة تعمل تدريجياً على تطوير مهارات الطلبة لاستخدام عمليات العلم باعتبارها أحد أهم جوانب المكون الاستقصائي للعلم. مثل

عمليات العلم الأساسية :

·     الملاحظة ، القياس ، التصنيف ، الاستنباط ، الاستقراء ، الاستدلال ، التنبؤ ، استخدام الأرقام ، استخدام العلاقات الزمانية والمكانية ، الاتصال

عمليات العلم التكاملية :

·     تفسير البيانات ، التعريف الإجرائي ، ضبط المتغيرات ، فرض الفروض ، التجريب .

 

3.    اكتساب وتنمية مهارات التعامل مع الأدوات المختبرية :

من الأهداف الأساسية لتدريس العلوم تطوير المهارات اليدوية للطلبة. ويقصد بالمهارة هنا قدرة الطلبة على أداء مهام باتقان وفي زمن قياسي وبجهد يسير.

فاضافة إلى وظيفة المعمل لتدريب الطلبة على استخدام عمليات العلم وتنمية مهاراتهم على حل المشكلات فانه يساعد أيضاً في تنمية المهارات اليدوية أو النفس حركية ومنها على سبيل المثال : القياس باستخدام أدوات القياس الاستخدام الصحيح للميكروسكوب ، إشعال الموقد ، استخدام الماصة أو السحاحة ، الدقة لدى استخدام المواد الكيميائية وصبها في الدورق والأكواب … الخ.

4.     تنمية الاتجاهات والميول العلمية :

إضافة إلى تزويد الطلبة بمنظومة معرفية متكاملة عن العلوم وتطوير قدراتهم على التفكير والعمل العلمي المنظم ، ينبغي أن يساعد تدريس العلوم مثله في ذلك المواد التعليمية الأخرى في التأثير التربوي في الطلبة بما يحقق تطوير خصائص الشخصية المختلفة لديهم ، كالقناعات والقيم ، والأخلاق والمواقف بما ينسجم مع طبيعة المجتمع اليمني كمجتمع عربي وإسلامي. ويتطلب تحقيق ذلك أن يتعرف المعلم على الأهداف التربوية العامة وأهداف تدريس العلوم في كل مستوى تعليمي ، والعمل على تحقيقها بالاستفادة القصوى من الإمكانيات المتنوعة للمادة التعليمية للأحياء .

ومن أهداف العلوم أيضاً تنمية الاتجاهات والميول العلمية لدى الطلبة. فإضافة إلى ما يمكن أن تسهم به المادة التعليمية وطرق معالجتها وتدريسها ، يمكن للعمل العلمي المستقل للطلبة في معمل العلوم أن يساهم بدور كبير في ذلك. فالعمل بالمعمل يشجع المتعلم على تنمية حب الاستطلاع لديه وهو أحد مظاهر الاتجاه العلمي ، كما يعلم الطلبة الأمانة العلمية ، خاصة عند تسجيل نتائج تجاربه وملاحظاته بدقة، كما يعلمه الدقة في العمل ، وأيضاً ينمي لديه الكثير من مظاهر الاتجاه العلمي المتعددة . ومنها : السببية – العقلانية – التفتح العقلي – حب الإنسانية والتحلي بكثير من المثل العليا مثل الصدق والصبر وحب الخير وحب الحياة والتفاؤل … إلى غير ذلك من الصفات الخيرة .

كما أن العمل في المختبر يساعد في اكتشاف الميول العلمية لدى الطلبة وتنميتها.فاستخدام تجارب العرض في الصف ، وقيام الطلبة بإجراء التجارب في المعمل يطور من فاعلية التعلم لديهم ويساعد بصورة تدريجية في تنمية اتجاهاتهم تجاه تعلم العلوم.

5.     تنمية الاتجاهات الصحية والبيئية :

إن تدريس العلوم في المدرسة لا يستند فقط على بنية وطبيعة العلم فحسب وإنما تشترك معها مجموعة من المعايير المترجمة لأهداف تربوية محددة ومنها تلك المعايير التي تؤكد على ربط التعلم بحياة المتعلم وبيئته ، ويأتي تطوير المعارف والاتجاهات الصحية والبيئية الإيجابية في الطلبة من الأولويات في تدريس العلوم. فينبغي أن يساعد تعلم العلوم الطالب للاهتمام والعناية بجسمه ومظهره وتزويده بالمعلومات الصحية التي تساعده للمحافظة على صحته البدنية والنفسية ، وتنمية اتجاهات الطلبة تجاه الصحة والبيئة والحفاظ عليها.

6.    تنمية الكفايات الاجتماعية :

يعد إعداد الطلبة للعيش في المجتمع والتفاعل مع أفراده وتطوير العلاقات الاجتماعية من الأهداف الأساسية للتعليم. ويمكن لتدريس العلوم أن يسهم في ذلك. فمن خلال الاستخدام المتنوع لطرائق التدريس مثل طرائق المحادثة والنقاش والعمل في مجموعات والتعليم التعاوني عموماً يمكن لدروس العلوم أن تطور في الطلبة خصائص مثل: الثقة ، التعاطف وروح الزمالة ، ونكران الذات ، والتسامح ، والاستعداد لمساعدة الآخرين ، روح العمل الجماعي ، احترام الرأي والرأي الآخر واحترام رأي الأغلبية وغيرها.

جميع الحقوق محفوظة